تحديات التوطين في قطاع التجزئة السعودي- ساعات العمل والحلول المقترحة

المؤلف: وفاء الرشيد10.03.2025
تحديات التوطين في قطاع التجزئة السعودي- ساعات العمل والحلول المقترحة

يُعَدُّ قطاع التجزئة في المملكة العربية السعودية ركيزةً أساسيةً للاقتصاد الوطني، حيث يساهم بنسبة كبيرة تصل إلى حوالي 23% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي. ومن المتوقع ازدهار هذا القطاع الحيوي، ليبلغ حجمه أكثر من 460 مليار ريال سعودي، ويستوعب ما يزيد على مليوني موظف وموظفة، مما يمثل أكثر من 25% من إجمالي القوى العاملة في القطاع الخاص على مستوى المملكة. ومع استمرار النمو المتسارع، من المتوقع أن يتجاوز حجم هذا القطاع الهام 1.2 تريليون ريال بحلول عام 2030.

على الرغم من الأهمية البالغة التي يتمتع بها قطاع التجزئة، فإنه يواجه تحديات جمة في مجال التوطين، ويأتي في مقدمتها تحوله في بعض الأحيان إلى بيئة عمل غير جاذبة، حيث تصل نسبة التسرب الوظيفي في بعض الحالات إلى مستويات مقلقة تصل إلى 75%. ويعزى ذلك بشكل كبير إلى ساعات العمل الطويلة وغير المنتظمة التي تؤثر سلبًا على استقرار الموظفين. وبالرغم من الجهود المضنية التي تبذل لزيادة نسبة السعوديين العاملين في الوظائف المرتبطة بقطاع التجزئة، إلا أنه لا تزال هناك عقبات وعراقيل متعددة تحول دون إقبال الكثيرين على العمل في هذا المجال الحيوي!

تمتد ساعات عمل المراكز التجارية والمحلات في المملكة حتى الساعة الحادية عشرة مساءً خلال أيام الأسبوع العادية، وتصل إلى الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل في عطلة نهاية الأسبوع، وفي بعض المناسبات والفعاليات قد تصل إلى الساعة الواحدة صباحًا، مما يجعل بيئة العمل في قطاع التجزئة مرهقة وشاقة وغير متوافقة مع طبيعة الحياة الاجتماعية والأسرية للكثير من الشباب السعودي الطموح. وفي شهر رمضان المبارك، تتضاعف التحديات والصعوبات مع تقسيم العمل إلى ثلاث فترات عمل تمتد حتى ساعات الفجر الأولى (وأحيانًا ما بعد الفجر)، بالإضافة إلى العمل خلال مواسم الأعياد والمناسبات الرسمية الهامة مثل عيدي الفطر والأضحى المباركين، واليوم الوطني المجيد ويوم التأسيس! مما يجعل هذه الظروف الوظيفية غير محتملة وغير مستدامة للكثير من الباحثين عن فرص عمل، كما أنها تثقل كاهل أصحاب الأعمال وتزيد من أعباء المصاريف التشغيلية نتيجة لتغطية ثلاث فترات عمل بالموظفين يوميًا! والمالك الذي لا يلتزم بقرار صاحب السوق بالفتح بعد صلاة الفجر، سيتعرض للعقوبات والجزاءات!

لقد أثبتت العديد من الدراسات والأبحاث العلمية أن العمل في أوقات متأخرة من الليل له تأثيرات سلبية جمة على الصحة البدنية والعقلية للموظفين، كما أنه يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في إنتاجيتهم وكفاءتهم على المدى الطويل. وبينما تسعى الدول المتقدمة جاهدة إلى تحقيق التوازن المنشود بين ساعات العمل المتاحة وحياة الموظف الشخصية، نجد أن قطاع التجزئة في المملكة العربية السعودية لا يزال يتبع أنماط عمل تقليدية قديمة، ومحملة بأعباء إضافية على البنية التحتية من استهلاك غير ضروري للطرقات وشبكات الكهرباء... في الوقت الذي أصبحت فيه التجارة الإلكترونية الحديثة توفر بدائل أكثر مرونة وراحة، وتتيح للمستهلكين التسوق واقتناء احتياجاتهم في أي وقت ومن أي مكان دون الحاجة إلى زيارة المتاجر والمحلات في ساعات متأخرة من الليل.

في ظل هذه التحديات المتزايدة، يتبادر إلى الأذهان تساؤل هام ومحوري: لماذا لا تتم إعادة النظر بشكل جاد في ساعات عمل المتاجر والمحلات بحيث تغلق في أوقات مبكرة نسبياً، مثل الساعة التاسعة مساءً، على غرار ما هو معمول به ومطبق في العديد من الدول الأخرى؟ ولماذا لا يتم تخفيض نسبة السعودة المطلوبة في هذا القطاع إلى 90% بدلاً من 100%، وذلك لتخفيف الضغط على المواطنين السعوديين؟ فمثل هذه الخطوة الطموحة من شأنها أن تخلق بيئة عمل أكثر استقرارًا وجاذبية، دون أن يتأثر المستهلك الذي أصبح يتمتع بخيارات أوسع وأشمل عبر التجارة الإلكترونية المتنامية.

إن تحقيق التوازن العادل بين مصالح أصحاب الأعمال التجارية وبين راحة الموظفين واحتياجاتهم قد يكون هو الحل الأمثل لتطوير قطاع التجزئة الحيوي في المملكة واستقطاب المزيد من الكفاءات الوطنية الشابة... فهل نشهد قريباً اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة تعيد صياغة بيئة العمل في هذا المجال الهام بما يحقق مصلحة جميع الأطراف المعنية؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة